(( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ))
يخبر سبحانه عن شكواه صلى الله عليه وسلم لقومه إلى ربه يوم أن هجروا القرآن واتخذوه ورائهم ظهريا وأعرضوا عن سماعه كما حكا عنهم قولهم (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )) وهذا نوع من هجرانه ، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه ، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه ، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ، وترك التحاكم إليه والعدولُ عنه إلى غيره من قوانين أو شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه ، وعدم الاستشفاء به من هجرانه .
وما أشبه الليلة بالبارحة فما اشتكى منه صلى الله عليه وسلم نشتكي منه اليوم لقد هجر الناس القرآن وأعرضوا عنه إلى غيره منهم من لا يقرؤه إلا من الجمعة إلى الجمعة ، أو من الشهر إلى الشهر أو من رمضان إلى رمضان ، ومنهم من لا يقرؤه حتى في رمضان وكل أعرف بنفسه وحاله مع القرآن ، وإذا كانت الغفلة قد بلغت بالعبد إلى أن يزهد حتى في مجرد التلاوة والقراءة فكيف له أن يتبع أوامره ويجتنب نواهيه كما ينبغي ، إن ذلك أشبه بالمحال إن لم يكن محال حقا ، فما الذي حصل يوم أن هجر الناس القرآن ؟
يوم أن هجر القرآن فسدت عقائد الناس ووقعوا في الشرك الأكبر كالطوافبالقبور والأضرحة وسألوا الأموات أمورا لا يقدر عليها إلا الله سبحانه .
ويوم أن هجر القرآن تعلق الناس بالأوهام واعتقدوا النفع والضر فيمن لا يملك لنفسه شيئا فضلا عن غيره كالسحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين والمشعوذين وانتشر السحر بين الناس ، وكثرت الإصابة بالعين والحسد في المجتمع .
ويوم أن هجر القرآن كثرت البدع والمحدثات وطمست كثير من السنن .
ويوم أن هجر القرآن ارتكب بعض الناس عظائم الأمور كعقوق الآباء والأمهات وقطيعة الأرحام وتعاطي المسكرات والمخدرات والفحش والزنا وسائر الموبقات .
ويوم أن هجر القرآن دخلت علينا الأفكار الغريبة والمذاهب الهدامة بل وجد من أبناء جلدتنا من يطالب بتغيير هويتنا والتخلي أصولنا وثوابتنا والجري خلف الغرب وخزعبلات أفكاره .
ويوم أن هجر القرآن فقد كثير من الناس هويتهم وجروا خلف كل ناعق وقلدوا غيرهم حتى في التفاهات كقص الشعور والألبسة التي يقشعر لها بدن كل غيور .
ويوم أن هجر القرآن أضاع كثير من الشباب شبابهم بالتسكع في الشوارع والطرقات وأذية الناس بضجيج أصوات الأغاني ومزامير الشيطان واستخف كثير منهم بشأن الصلوات حتى أصبحت عندهم من قبيل العادات لا من قبيل الطاعات والعبادات وهجروا بيوت الله .
ويوم أن هجر القرآن عكف كثير من الناس على الصحف والمجلات وأصبح لهم فيها ورد يومي وتركوا قراءة القرآن .
ويوم أن هجر القرآن كثرت الذنوب والآثام وانتشر الفسوق والعصيان هنا وهناك وكثر الخبث المؤذن بنزول العقوبة من الله .
ويوم أن هجر القرآن أقبل الناس على سماع الأغاني والمزامير .
ويوم أن هجر القرآن كثرت الأمراض النفسية وانتشرت المصحات النفسية وتسلط الجن على كثير من الناس .
ويوم أن هجر القرآن قلَّ في النساء الحياء والحشمة والعفاف حتى خلع كثير منهن الحجاب وتصدرن للظهور في أماكن العمل يفتن ويُفتن وخرجن إلى الأسواق سافرات متبرجات ورأينا الملابس الفاضحة وزعم كثير من النساء أن لا يوجد في الأسواق غيرها وقل أن نجد من ينكر المنكر أو يحاول التغيير والإصلاح ما أمكن .
فالقرآن القرآن يا إخواني ولنحذر من شكوى رسول الله ولنجعل القرآن لنا خلقا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان قرآنا يمشي على الأرض وحدثت بذلك عائشة رضي الله عنها فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ يَرْضَى لِرِضَاهُ، وَيَسْخَطُ لِسَخَطِهِ "
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك يا رب العالمين .